الصَّابِئُون الْمَنْدَائِيُون إِيمَانهم وعَقِيدَتهم
{ الجزء الأول }
أولا : من هم الصَّابِئَّة الْمَنْدَائِيُون
الدّيَانة الصَّابِئِيَّة هي إِحْدَى الدِّيانَات التُّوحِيديّة الشّرقيّة ، وتُعد هذهِ الدِّيانة المُوحدة اول واقدم الدِياناتِ والشَّرائع السَّماوية وتعتبر واحدة مِن الدِياناتِ الإبرَاهِيميّة الكريمَة ، وتتميز هذه الدِّيانة السَّمَاويّة بِتعَاليمِها الصُّوفيّة التّوحِيديّة الحَنيفيّة السّمحة التي تدعو لِلإيمانِ بِالإلهِ الوَاحد الاحد وأنبيائهِ ورُسلهِ وكتبهِ وملائكتهِ واليّوم الآخر ؛ ويتبعُ الصَّابِئُون شريعة انبياء الله آدم ، وشيت بن آدم ، وانوش بن شيت ، ونوح ، وسام بن نوح ، وادريس ، وإبراهيم ، وزكريا ، ويحيى بن زكريا عليهم ازكى السَّلام ، ويجمع كِتَاب الصَّابئة المُقدَّس مُصْحَف جِنْزَا رَبَّا ( گِنْزَا رَبَّا : جِنْزَا رَبَّا ، أي: الْكَنْزُ العَظِيم ) الصُّحُف التي انزلها الله سُبحانه على الأنبياء الكرام.
انتشر الصَّابِئُون تَأرِيخياً في شتى مناطِق ومُدن وقرى الشَّرق القِديم ، وبِصورةٍ كَبيرة كانَ انتشارُهم على ضفافِ أنهار الهلال الخَصِيب في العِراقِ والشَّامِ والأردنِ وفِلسْطِين ، ووصل انتشارهم حتى وصل مِن الشّمال الى المَناطقِ الجَنوبيّةِ من هضبةِ الانَاضول ، ومن الشَّرقِ حتى مَناطق الاحواز الوَاقعة غرب خراسان ، ومن الغَربِ عاشوا في مصرِ القَديمة ، بلاد النبي إدريس عليه السلام ، ومن الجَنوب حتى مملكة السَّبئيين في اليمنِ ؛ وسَكنوا بِتجمعاتٍ كبيرة على طولِ المَناطق المُحاذيّة لِضفافِ دجلة والفُرات والاردن والكَارون ؛ ومن اشهرِ المُدن والمَناطق التي سكنوا فيها وعمروها وساهموا في بناءها ومارسوا فيها طقوسهم وشعائرهم الدينيّة هي مملكة ميسان ( مَلوكثا إدْ مِيشَان : مَمْلَكَة مِيسَان ) التي تقع في جنوبِ العِراق والمَناطق المُحيطة بها التي يُطلق عليها بِمناطقِ البَطائح او الأهوار ، ولا تزال تجمعاتهم هناك حتى يومنا هذا ؛ وعاش الصَّابِئُون في مختلفِ مدن وقرى العِراق القَديم مُنذ بدء أولى الحَضارات على ارضهِ ، حيث عاشوا في مدينةِ اوروك وسومر واور واكد وبابل والحَضر واشور ... وبغداد والبصرة والكوفة وغيرها ، وعاشوا في مُختلفِ مُدن فلسطين كالقدس، وسكنوا وبنوا مدينة حران الشَّهيرة ، مدينة العِلم والفَلسفة ، حيث نزح اليها جزء منهم من مدينة أور العِراقيّة مع نبي الله إبراهيم عليه السلام بعد تعرضهم لِلإضطهادِ والاذى من قبلِ النَّمرود حاكم بلاد ما بين النَّهرين حينها ؛ وهكذا عاشوا في بقية مدن ومَناطق الشّرق القَديم والحَديث.
ولِلصابِئين دور كبير وبارز في عصورِ النّهضة العلميّة والمَعِرفيّة التي انطلقت من الشّرق ومن بلادِ الرَّافدين ، ابرزها كان في العَصرِ العَربي العَباسي بِالأخصِ في مَجالات التَّرجمة والطّب والفَلك والفَلسفة والرِّياضيات ، واستمرت ادوارهم العِلمية والمَعرفية والفَنية في ازدهارِ الحَضارات وبنائها حتى يومنا هذا ، بِحيث سُميت الدِّيَانة الصَّابِئِيَّة في عام 2001 بِطائفةِ العِراق الذَّهبيّة من قبل رِئاسة الجُمهوريّة العِراقيّة ، وذلك لِدورِهم العِلمي والمَعرفي والفَني الفَاعل في بناءِ الدّولة العِراقيّة الحَديثة ، اضافةً الى حُبِهم المُتأصل والكبير لِلعراقِ وشعبه وعَيشِهم الاخوي بِسلامٍ ومَحبةٍ ووئام مع جميعِ أطيافه العراقية والشَّرقية جميعاً ، سواءاً الدِّينيّة منها او القوميّة ، مُنذ فجر الحَضارات إلى يومنا هذا ؛ وتُعد اليُوم ديانة الصَّابِئَة الْمَنْدَائِيِّين احدى اطياف المُجتمع العِراقي والايرَاني ، وواحِدة من اقدمِ اديان الشّرق والعَالم ، وتُقدرُ اعدادُهم هذا اليُوم بقرابةِ السّبعين ألف شخص فقط .
الصَّابِئُون الْمَنْدَائِيُون إِيمَانهم وعَقِيدَتهم
مُصْحَف الصَّابِئِينَ الْمُقَدَّس جِنْزَا رَبَّا ( گِنْزَا رَبَّا أو جِنْزَا رَبَّا الْكَنْز الْعَظِيم )
يُؤمن الصَّابِئُونَ الْمَنْدَائِيُّونَ بِالْإِلهِ الْوَاحِدِ الْأَحَدِ ، الْحَيِّ الْعَظِيم ، الْأَزَلِيِّ الْقَيُّومِ ، اللهِ سبحانه ، الذي لا ابٌ له ولا ولد ولا يُشاركهُ ملكه أحد ، حيث جاء في اولى آيات ( ابْوَاثِي ) صَحِيفة التّوحِيد التي انزلها الله جل وعلا على سيدنا آدم عليه السّلام:ـ ﴿ هُوَ الْحَيُّ الْعَظِيم ، الْبَصِيرُ الْقَدِيرُ الْعَلِيم ، الْعَزِيزُ الْحَكِيمْ ، هُوَ الْأزَليُّ الْقَدِيمْ ،..، الْحَنَّانُ التَّوابُ الرَّؤُوفُ الرَّحِيْم ، الْحَيُّ الْعَظِيْم ، لَا حَدَّ لِبَهائِهْ ، وَلَا مَدىٰ لِضيَائِهْ ، الْمُنتَشِرةُ قـُوتُهْ ، الْعَظِيمَةُ قـُدرَتُهْ ، هُوَ الْعَظِيْمُ الَّذِي لَا يُرَىٰ وَلَا يُحَدّْ ؛ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي سُلْطَانِهْ ، وَلَا صَاحِبَ لَهُ فِي صَوْلَجَانِهِ ،..، هُوَ الْمَلِكُ مُنْذُ الْأزَلْ ، ثَابتٌ عَرْشُهُ ، عَظِيمٌ مَلَكُوتُهْ ، لَا أبَ لَهُ وَلَا وَلْد ، وَلَا يُشَارِكهُ مِلْكَهُ أحَدْ ، مُبارَكٌ هُوَ فِي كُلِّ زَمَانْ ، ومُسبَّحٌ هُوَ فِي كُلِّ زَمَان ، مَوْجُودٌ مُنْذُ الْقِدَم ، بَاقٍ إِلَىٰ الْأبَدْ ﴾
وتُعد هذه الصَّحِيفَة المُبارَكة والمُكرمة التي انزلهَا الله جل جلاله على نبيهِ آدم عليه السّلام ، أولى الصُّحُف التي اُنزلت على نبي الله آدم عليه السّلام ، وهي اولى صَحائِف مُصْحَف الصَّابِئِينَ الْمُقَدَّس ( الْكَنْز الْعَظِيم ) ، وآياتها الكَريمة هي فاتحة لِكِتَابِ الصَّابِئِينَ الْمُقَدَّس وفاتحة لِجميعِ الكتب والرّسالات السّماويّة.
ويؤمنون بِوجودِ المَلائكةِ حيث جاء في آياتِ صُحُف كِتَابهم الْمُقَدَّس:ـ ﴿ أَمَامَهُ الْمَلاَئِكَة مَاثِلُونْ ، بِأضْوَيْتَهُمْ يَتألَّقُونْ ، سَاجِدِينَ خَاشِعِينْ ، شَاكِرِينَ مُسَبِّحِينْ ،..، قَالَ لِلملائكة كُونِي فَكَانَتْ ، بِقَوْلِهِ مَلاَئِكَةُ النُّورِ كَانَتْ ، وَمِنْ ضِيَائِهِ النَّقيَّ انْبَثَقَ مَلاَئِكَةُ التَّسْبِيح ،..، مَلاَئِكَةُ الضِّيَاءِ تُسَبَّحُ لِمَلِكِ النُّور ،..، جَمِيعُهُمْ خَاشِعُونْ ، للهِ يُسَبِّحُونْ ، اللهُ مَلِكُ النُّورِ السَّامِي ، مَلِكُ الْمَلاَئِكَةِ وَالْأُثِريِّينَ ، مُسبَّحٌ اِسْمُهُ إِلَىٰ أَبَدِ الْآبِدِينَ ﴾.
ويؤمنون بأن الله عز شأنه يبعثُ الرُّسلَ والنّبيّين ، ويصطفيهم بِالحقِ والهدى لِيكونوا رحمة لِلناسِ كافة ، وقدوة حسنة وإسوة صالحة ؛ ويدعون النَّاس لِلإيمانِ به وحده لا شريك له ، وعبادتهِ إلهاً واحداً مُفرداً مُتفرداً لا سِواه ، ويُبلغون النَّاس رسالاته السّماويّة ويُرشدونهم إلى الهدى ، ويُحدثونهم عن عظمتهِ وسعةِ علمهِ وقدرتهِ المطلقة ، ويُعلمونهم شرعة الدّين وتعاليمه وأحكامه ، ويَدعونهم لِلعملِ الصّالح والتّوبة وطاعة الله سبحانه ، ويَشرحون لهم المنهاج الصَّحيح في عبادةِ الله وطاعتهِ وتقواهِ ، ويُبينون لهم الحَلال والحَرام وكل ما يحتاجونه في حياتِهم الايمانيّة والعَقائديّة ، ويَجيبونهم على تساؤلاتِهم واستفساراتهم ، ويشرحون لهم آياته وتعاليمه ووصاياه ، ويُحذرونهم مِن الشّركِ به اوعبادة ما دونه من أربابٍ باطلة او معصيته أو صرف العِبادة لغيرهِ تعالى ، ويُنبهونهم مِن غِوايةِ الشّيطانِ وضلالهِ المبين ، ويَنذرونهم بِالعذابِ والعِقابِ واليوم الآخرِ ، ويُنبهونهم لأخطائِهم العَقيديّة والسَّلوكيّة ، ويَعِظونهم القيم والمَبادئ الحَسنة التي يستحب ويستحسن او يتوجب عليهم القيام بها ، ويقصون عليهم القَصص ودروس الحِكمة والسّداد ، ويضربون لهم الامثال والعبر وعِظات الهِدايَة ، ويحثوهم التّحلي بِمكارمِ الاخلاق والتّخلي عن مساوئِها ، وينهونهم عن الباطلِ والمُنكرِ والسَّوء وعن كلِ فعل لا يرضي الله جل وعلا ، ويَدلّونهم على الطّريقِ الحَق إلى اللهِ سبحانه ، ويُبصرونهم بِمعالمِ الهِدايَة ، ويرشدونهم إلى أقومِ الطّرق وأوضح السُّبل للتقربِ إلى اللهِ وطاعتهِ والتّوبةِ إليهِ ، والامتثال لأمرهِ واجتناب نهيه لما يكون فيه خيرهم وسعادتهم وإصلاح امورهم في الدَّارين : الحَياة الدّنيا والآخرة ؛ حيث جاء في كِتَابِ الصَّابِئِينَ الْمُقَدَّس ، مُصْحَف جِنْزَا رَبَّا:ـ ﴿ اللهُ مَلِكُ النُّورِ السَّامِي ، مَلِكُ الْمَلاَئِكَةِ وَالْأُثِريِّينَ ، مُسبَّحٌ اِسْمُهُ إِلَىٰ أَبَدِ الْآبِدِينَ ، وَالْأثُرِيُّون وَالْمَلاَئِكَةُ وَالرُّسُلُ وَالسِّيمَاءُ وَالْأمْثَالُ وَالْغُيُوم السَّارِيَةَ ، وَالْمِيَاهُ الْجَارِيَة ، وَالْأَشْجَارُ الْعَالِيَة ، وَالضِّيَاءُ الَّذِي هِيَ بِهِ حَالِيَةْ .. كُلُّهُ مِنْ عِنْدِ اللهِ ، مَلِكِ النُّورِ السَّامِي ﴾ ، ومن بينِ انبياء الله ورُسله ، انبياءه ورُسله الذين بعثهم لِنقلِ رِسالته الإلهيّة إلى القَومِ الصَّابِئِينَ لِهدايتِهم نحو عبادته وطاعته وتوحيده إلهاً خالقاً واحداً لا شريك له ، وانبياء الله الذين يتبعهم الصَّابِئَة ويطبقون شريعتهم وتعاليمهم هم:ـ
رَأْسُ الذُّرِّيَّةُ الْحَيَّة ، أوَّلَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلَيْنِ ، سَيِّدُنَا نَبْيُّ الله آدَم ( آدَم جِبْرَا قَدَّمَاييّ ) ، وَالنَّبِيّ شِيت بْنَ آدَم ( شِيِتَل بِرْ آدَم ) ، وَالنَّبِيّ أنُوش بْنَ شِيت ( أنْش بِرْ شِيتَل ) ، وَالنَّبِيّ إِدْرِيس دَنَانُوخْت ( إِدْ رِيش دَنَانُوخْت ) وَالنَّبِيّ نُوح ( نو ) ، وَالنَّبِيّ سَام بْن نُوح ( شُوم بِرْ نُو ) ، وَالنَّبِيّ وَالْمُعَلِّم الْجَلِيل سَيِّدُنَا إِبْرَاهِيم ( بُهْرَام رَبَّا ، إبْرَاهَام نَبيّهَا ) ، وَالنَّبِيّ الْحَكِيم زَكَرِيَّا أبو الصَّابِئَة ( زَاكَارِيا اَبْا صَابَا ) ، وَالْمُعَلِّم وَالنَّبِيّ وَرَسُول اَلْحَقَّ يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا ( رَبيّ اشْلِيهَا وَنَبِيهَا إِدْ كُوشْطَا يَهيَا يُهَانَا بِرْ زَاكَاريَا ) ، عليهم وعلى انبياءِ الله ورُسله جميعاً اطيب وازكى واصدق السّلام ، ومُصْحَف الصَّابِئِينَ ، كِتَابهم الْمُقَدَّس : جِنْزَا رَبَّا الْمُبَارَك ( گِنْزَا رَبَّا : الْكَنْز الْعَظِيم ) يجمع الصُّحُف المُكرمات التي انزلها الله واوحى بها إلى انبياءهِ ورسلهِ الذين بعثهم في القُومِ الصَّابِئِينَ ، مِن خلالِ أمين وحيه الرَّسول جبرائيل عليه السَّلام ( گيبْرَائِيل : جِبْرَائِيل ، جِبْرِيل ) ، ولِلملاكِ الرَّسول جبرائيل عليه السَّلام في الشَّريعةِ الصَّابِئِيَّة أسمين آخرين: ( هِيبَل زِيُوا وابْثَاهِيَّل ) ، وانزل الله سبحانه صُحُف هذا الْكِتَاب الْمُبَارَك لِتكون هادياً للصَّابِئِين المُؤمنين يهديهم إليه ، وتبين لهم مراده وأحكامه وأوامره الشَّرعيّة ، ولِتكون لهم تعاليم هذه الصُّحُف الْمُبَارَكات نبراساً لِلعلمِ والمَعرفةِ ومنبعاً لِلحكمةِ والعَدلِ والسَّلامِ ، وتكون دليلاً يهديهم لِسبيلهِ وطاعتهِ وتقربهم إليه في كلِ زمان ، وتنظم سُنَّة حياتهم وامورهم وعلاقتهم مع الله سبحانه ومع بعضِهم البعض ومع سائرِ مخلوقاته في كلِ مكان.
ويؤمن الصَّابِئُونَ بِاللهِ الذي لا إله إلا هو الرّب الْعَلي سبحانه ، الْحَيّ الْوَاحد الْأحد ، الْحَيّ الْعَظيم ، ذي الْوقار والْجَلال والسّيماء الْعَظيم ، الْحَي الْقَيوم الذي لا يُرى ولا يُحد ، ملكِ النُّور السّامي ، الذي لا رب غيره ولا معبود سواه ، الْحَيّ الْأزلي سُبحانه الذي لا شَريك له في ملكهِ ولا شَريك له في سُلطانهِ ولا صَاحب له في صُولجانهِ ولا اب له ولا ولد ؛ سبحانه الله ، الإله الواحد الاوحد الذي لا شبيه له في عظمتهِ ولا كفو له في جلالتهِ ، ولا حد لِقدرتهِ ولا حصر لقوته ولا مقياس لعلمه ، ولا شيء يحول دون إرادته ، ذو الحَول الشَّامل ، والتّدبير الكَامل ، لا مُدبر غيره وكل ما في الوجودِ مَا كانَ إلا بِأمرهِ ، سبحانه الذي لا وجود بدونه، وما من شيء لولاه ؛ خالق الاكوان جميعاً العُليا والوِسطى والسُّفلى ، ورب العَوالم كلها ، الظّاهرة والخَافيّة ، هو البَارئ لكلِ شيء في الوِجودِ ، وكل شيء ما كان إلا بِمشيئتهِ وإرادتهِ ، حيث جاء في آياتِ صُحُف كِتَاب الصَّابِئِينَ الْمُقَدَّس جِنْزَا رَبَّا:
ـ ﴿ قَالَ مَلِكُ النُّور السَّامِي قَوْلِهِ ، فَكَانَ كُلَّ شَيْء ﴾
وجاء في آياتِ صَحائِف كِتَابهم ان كل شيء ما كان إلا بِأمرِ الله سبحانه وكلمته ( مِيمْرا : كَلِمَتُهُ ) ، وكل شيء ما خلق إلا بِإرادتهِ جل جلاله:ـ ﴿ مُبَارَكٌ وَمُسَبَّحٌ أَنْتَ إِلَىٰ أَبَدِ الْآبِدِينَ ، بِأَمْرِكَ كَانَ كُلُّ شَيْء ، وَبِأَمْرِكَ خُلِقَ كُلُّ شَيْء ، يَا خَالِقَ هيَبل زِيُوا ، جِبْرَائِيلَ الرَّسُول ، وَمُرسِلَهُ إِلَىٰ عَالَمِ الظَّلاَمِ ﴾
وجاءَ في كِتَابِ الصَّابِئَة الْمُقَدَّس في صُحُفِ النّبي آدم عليه السّلام ان العالم المادي الذي نعيش فيه ما صنع إلا بمشيئة الله الحي العظيم:
﴿ وَأعلَمْ يَا آدَم ، أنَّ بثَاهِيَّل مَا صَنَعَ هَـٰذَا الْعَالَم ، إِلاَّ بِأَمْرِ الْحَيَّ الْعَظِيم .. وَأنَّ رَبَّهُ بِأَمْرِهِ عَلِيم ﴾
وجاء في آياتِ افتتاحيّة مُصْحَف الصَّابِئِينَ الْمُقَدَّس ، في صَحِيفَةِ التّوحيد أن الله سبحانه الذي لا إله غيره ، هو خالق كل شيء وقوته ليس لها مثيل:ـ ﴿ هُوَ الْجَلاَلُ والْأَتقَانْ ، هُوَ الْعَدْلُ وَالْأَمَانْ ، هُوَ الرَّأفَةُ وَالْحَنَانْ ، الْأوَّلُ مُنْذُ الْأزَلْ ، خَالِقُ كُلَّ شَيْء ، ذُو الْقُوَّةِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا مَثِيل ، صَانِعُ كُلَّ شَيْء جَمِيلْ ، رَبُّ أكْوَانِ النُّورِ جَمِيعًا ، أَسْمَىٰ مِنْ الْأُثْرِيَّين جَمِيعًا ، إِلَـٰهَهُمْ جَمِيعًا ﴾.
وجاءَ في آياتِ مُصْحَف الصَّابِئِينَ جِنْزَا رَبَّا الْمُبارَك ( كَنْزَا رَبَّا ) أن المَلاك الرّسول جبرائيل عليه السّلام وبِمعاونةِ المَلائكة هِيبَل وشِيتَل وآنُوش عليهم السّلام قد نفذوا أمر الله الحَيّ العَظِيم فبُسِطت الأرض ورُفِعت السّماء ، ووُضِعت النّجوم في مداراتِها ، ومُنحت الشّمس ضياءاً والقمر بهاءاً ، ثم خلق الله سيدنا آدَم عليه السّلام وزوجته السّيدة حَوَّاء وحلت فيهما بركة سبحانه ، وبدأت حياة بنو البشر فوق سطح الأرض التي امتدت وتمتد حتى نهايَة الحياة بمشيئةِ رب العالمين وقدرته وقدره وقضاءه:ـ ﴿ مُبارَكٌ هُوَ الْحَيُّ الْأَزَليُّ الْعَظِيم ،..، وَمُبَجَّلٌ جِبْرَائِيلُ الرَّسُول ، الَّذِي بِقُوَّتِهِ ، وَبِمَعُونَةِ هِيبَل وَشِيتَل وَآنُوش .. نَفَذَ أَمَرُ الْحَيِّ الْعَظِيم ، فبُسِطَتْ الْأَرْض ، ورُفِعَتْ السَّمَاء ، وَعُلِّقتْ فِيهَا النُّجُوم ، وَحَمَلَتْ الْأَرْضُ أَشْجَارهَا ، وَحَمَلتْ الْأَشْجَارُ ثِمَارهَا ، وَتَبِعَتْ كُلُّ نَجْمَةٍ مَدَارَهَا ، وَمُنِحَتْ الشَّمْسُ ضِيَاءًا ، وَالْقَمَرُ بَهَاءًا ؛ وَخُلِقَ آدَمُ ، وَوُهِبَ حَوَّاءَ زَوْجَاً لَهُ ، فَحَلَّتْ فِيهِمَا بَرَكَةُ الله ، وَامْتَدَّتْ جُذُورُهُمَا فِي هَـٰذَا الْعَالَمِ حَتَّىٰ مُنْتَهَاه ﴾ ، وجاءَ في آياتِ مُصْحَفهم أن الله سُبحانه هو الذي أمر الْمَلاك جِبرائِيل عليه السّلام لِتكوين العَالم وان يهيئ الأرض لِلإنسانِ ويُصلبها ويكثفها:ـ ﴿ إِلَىٰ أَنْ يَشَاءَ الْحَيُّ رَبِّي ،..، إِلَىٰ أَنْ يُنَادَىٰ جِبْرَائِيل الرَّسُول ، وَإِلَىٰ أَنْ يُؤْمَّر بِالْمَجِيءِ إِلَىٰ هُنَا ، يُؤْمَّرُ ويُرْسَلُ لِيُكَونَ الْعَالَم ، سَوْفَ يُكثِّفُ الْأَرْضَ ، وَيَمُدُّ الرَّقِيع ، وَيُهَيءُّ حُدُودًا لِلأَكْوَانِ ﴾ ، وجاء في آياتِ الْجِنْزَا رَبَّا الْمُبَارَك أن الله سبحانه وتعالى أمر المَلاك جبرائيل عليه السّلام لِيهيئ الأرض لِلإنسانِ ويبسطها ويضع النّجوم في افلاكِها ، ويُعلم آدم ما لم يكن يعلم من معرفةِ وحكمة ، وقراءة وكِتَابة ، ويُعلمه عبادة الله سبحانه ، ويعلمه الصّلاة والسّجود للهِ وحده لا سواه خمس مرات في اليومِ ، ويُعلمه فرائض الدّين والوَاجبات والاحكام ، وجاء في آياتِ المُصْحَف الْمُقَدَّس ان الله سبحانه أمرَ ملائكة النَّار لِتسجد لآدمِ فسجدت جميعاً إلا إبليس الذي رفض السّجود لآدمِ عليه السّلام:ـ
﴿ مُبَارَكٌ وَمُسَبَّحٌ أَنْتَ إِلَىٰ أَبَدِ الْآبِدِينَ ، بِأَمْرِكَ كَانَ كُلُّ شَيْء ، وَبِأَمْرِكَ خُلِقَ كُلُّ شَيْء ، يَا خَالِقَ هِيبَل زِيُوا ، جِبْرَائِيلَ الرَّسُول ، وَمُرسِلَهُ إِلَىٰ عَالَمِ الظَّلاَمِ ، قَالَ لِي رَبَّي: إذْهَبْ إِلَىٰ عَالَمِ الظَّلاَم ، الْمَمْلُوءِ كُلِّه بِالشَّرِّ ، كُلِّه مَمْلُوءٌ بِالشَّرِّ ، بِالْغَائِلَةِ ، بِالنَّارِ الْأَكْلَةِ ، عَالَمِ الْفِتْنَةِ الْمُضْطَرِبْ ، عَالَمِ الْغِشّ وَالْكَذِبْ ، الْمَزْرُوعِ بِالشَّوْكِ وَالْعُلَّيْقِ ، إذْهَبْ إِلَيْهِ وَسَيْطرْ عَلَيْهِ ، ابْسُطْ الْأَرْض ، وَارْفَعْ السَّمَاء ، وَعلِّقْ فِيهَا الْكَوَاكِبِ ، هَبْ الشَّمْسَ ضِيَاءً ، وَالْقَمَرَ بَهَاءً ، وَالنُّجُومَ سَنَاءً ، وَالْمَاءَ عُذُوبَةً ، وَالنَّارَ أُنسًا .. وَلِتَبَدّأ بِأَمْرَي الْحَيَاة ، كَوِّنْ بِأَمْرَي الثِّمَارَ ، وَالْأَعْنَابَ وَالْأَشْجَارَ ، يَبْتَهِجْ بِهَا الْعَالَم ، وَلِيَكُنْ رَجُلٌ وَامْرَأَة .. إسْمَاهُمَا آدَمُ وَحَوَّاء ، لْيَسْجُدْ لَهُمَا مَلاَئِكَة النَّار ، وَمَنْ عَصَىٰ فمَصِيرُه النَّار ، وَلِيَكُنْ ثَلاَثَةٌ مِنْ مَلاَئِكَةِ النُّورِ إنْسًا لِآدَم ، وَبِبثاهِيَّلِ سَيَسْتَنِيرُ الْعَالَم ، قَالَ مَلِكُ النُّور السَّامِي قَوْلِهِ ، فَكَانَ كُلَّ شَيْء ، نَزَلَ بِثَاهِيَّلُ ، فَرَفَعَ السَّمَاء ، وَبَسَطَ الْأَرْض ، وَنَادَىٰ مَلاَئِكَةُ النَّارِ ، وُهِبَت الشَّمْسُ ضِيَاءً ، وَوُهِبَ الْقَمَرُ بَهَاءً ، وَالنُّجُومُ سَنَاءً ، وَرُفعَتْ كُلٌ إِلَىٰ مَدَار ، وَتَكَوَّنَتْ الْعَوَاصِفُ وَالْمَاءُ وَالنَّار ,وَتَكَوَّنَتْ الثِّمَار ، وَالْأَعْنَابُ وَالْأَشْجَار ، وَكُوِّنَ الْحَيَوَانُ الْألِيف ، وَالْوَحْشُ الْكَاسِر، وَمِنْ التُّرَابِ وَالطِّينِ الْأَحْمَرِ ، وَالدَّمِ وَالْمَرَارَةِ .. وَمِنْ سِرِّ الْكَوُن ، جُبِلَ آدَمُ وَحَوَّاء .. وَحَلَّتْ فِيهِمَا النَّفْس الرُّوحِيَّة "نِشمْثا" بِقُدْرَةِ مَلِكِ النُّور ؛ قَالَ الْحَيُّ: لْيَسجِدْ مَلاَئِكَةُ النَّارِ لِآدَمِ ، لَا يُخَالِفُونَ لَهُ قَوْلا ، فَسَجَدُوا إلاَّ الشِّرِّير فَقَدْ أَبَىٰ ، فَأسَرَهُ رَبُّهُ أسْرَا ؛ أَنَا الرَّسُولُ الطَّاهِر ، أمَرَنِي رَبِّي أنْ إذهَبْ وَنَادِ آدَمَ وَحَوَّاءَ زَوْجَهُ بِصَوْتٍ سَنِيّ ؛ عَلِّمْ آدَمَ لِيَسْتَنِيرَ قَلْبُه ، وَقَوِّمْهُ لِيَسْتَنِيرَ عَقْلُهُ وَجَنَانُه ، كُنْ أُنَسْاً لَهُ أَنْتَ وَالْمَلاَكَان ، اللَّذَانِ مَعَكَ إِلَىٰ الْعَالَمِ سَيَهْبِطَانِ ، عَلِّمْهُ وَزَوْجَهُ ، وَذُرِّيَّتِهُ الْحِكْمَة كَيْلاَ يُغْوِيهِمْ الشَّيْطَان ، عَلِّمْهُمُ الصَّلاَة يُقِيمُونَهَا مُسَبِّحِينَ لِمَلِكِ النُّورِ السَّامِي ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فِي النَّهَارِ ، وَمَرَّتَيْن فِي اللَّيْلِ ، قُلْ لَهُمْ اِتَّخِذُوا لِأَنْفُسِكُمْ أزْوَاجًا ، وَتَنَاسَلُوا مِنْكُمْ لِيَزْدَادَ عَدَدُكُمْ ﴾ ، وجاء في مُصْحَفِ الصَّابِئِينَ جِنْزَا رَبَّا الْمُبَارَك ان ابْثاهِيل عليه السَّلام قد نفذ ما امره به الله سُبحانه ، واعد الأرض والبِحار والجِبال والسّهول والوديان ، وشق الأنهار والجَداول ، وصَنعَ المَخلوقات الحَيَّة كما شاء الله ، وصَنع جسد النَّبي آدم عليه السّلام كما أمره الله جل جلاله ، وكان جسد سيدنا آدم على هيئتهِ ومن ثم صَنع جسد زوجته السيدة حواء على هيئةِ سيدنا آدم:ـ
﴿ نَادَىٰ بِثَاهِيَّل عَالَمًا ، وَأَعَدَّ فِيهِ أَجْيَالًا ، وَمَدَّ بِحَارًا ، وَرَفَعَ جِبَالًا ، وَثَبَّتَ فِيهِ مَلاَئِكةً وَشَيَاطِين ، وَبَيْتًا لِآدَمِ مِنْ طِينٍ ، وَصَنَعَ جَدَاوِلَ وَأَنْهَارًا ، وَأَعْنَابًا وَأشْجَارا ، وَسَمَكًا وَأطْيَارا ، وَصَنَعَ الْوَحْشَ الْكَاسِر ، وَالْحَيَوَانَ الْأَلِيف ، وَصَنَعَ الثَّمَرَ اللَّطِيف .. بِهِ آدَم وَحَوَّاءُ يَأنَسَان ، وَمِنهِ يَأْكُلاَن ، وَبِالرَّاحَةِ وَالْهُدُوءِ يَنْعَمَان ، بَعْدَ أَنْ صَنَعَ الْعَالَم ، تَلَّقَىٰ أمْرَ الْحَيّ ، فَصَنَعَ آدَم ، صَوَّرَ بِثَاهِيَّلُ آدَمَ اِبْنَهُ عَلَىٰ هَيْئَتُهِ ، وَعَلَىٰ هَيْئَةِ آدَمَ هَيْئَةَ حَوَّاءَ زَوْجَتِهِ ﴾ ، وجاء في آياتِ مُصْحَفهم الْكَنْز الْعَظِيم الْمُقَدَّس ( گِنْزَا رَبَّا : جِنْزَا رَبَّا ) ان تكوين العالم المادي كان بسبعةِ مراحل بدأت بتهيئةِ الأرض ثم الماء ثم النَّبات ثم الكائنات الحَيَّة البحريّة والبريّة:ـ ﴿ مِنْ ضِيَاءِ أَبِي الزَّاخرِ أتَيْتُ ، أَنَا بِثَاهِيَّلُ ، حِينَ نَادَانِي أَبِي ، مِنْ عَيْنِ الضِّيَاء نَادَانِي ، أَرْدِيَةَ الضِّيَاء أَلْبَسَنِي ، وَأَكْسِيَةُ النُّور كَسَانِي ، وَوَهَبَنِي تَاجًا عَظِيمًا تُنِيرُ بِهِ الْأَكْوَان ، قَالَ لِي قُمْ يَا بُنَيَّ لِتَبْدَأَ رِحْلَتَكَ الْخَطِرَة ، إِذْهَبْ إِلَىٰ الْمَعْمُورَةِ ، وَكَثِّفْهَا فِي الْمِيَاهِ الْعَكِرَة ، إرْفَعْ فَوْقَهَا السَّمَاء ، وَفَجِّرْ فِيهَا يَنَابِيعَ الْمَاء ، لِتكُنْ يَرْدِنِي وَسَوَاقِي ، وَعُيُوناً رَوْاقِي ، وَهَيءّْ آدَم كَمَا الْحَيُّ الْعَظِيمُ أمَرْ ، فَمِنْ آدَمَ سَيكُونُ الْمُخْتَارُونَ ، الَّذِينَ إِلَىٰ النُّورِ يَصْعَدُونَ ، نَادِ بِثَلاَثَةِ أَصْوَات: بِالصَّوْتِ الْأَوَّل تَتَكَثَّفُ ْالْأَرْضُ وَتَنْبَسِطُ السَّمَاء ، بِالصَّوْتِ الثَّانِي يَتَرَقْرَقُ الْمَاء ، وَبِالصَّوْتِ الثَّالِثِ تَنْهَضُ الْأَشْجَار ، وَتَطِيرُ الْأَطْيَار ، وَتَسبَحُ الْأَسْمَاكُ فِي الْبِحَارِ .. وَتَمْتَلِيءُ الْأَرْضُ بِالْحَيَوَانِ ، مِنْ جَمَيعِ الْأَلْوَان ،..، كَانَ هَـٰذَا صَوْتِي الْأوَّل .. أوَّلَ نِدَاء .. كُثِّفَتْ بِهِ الْأَرْضُ وَرُفِعَتْ السَّمَاء ، بِالنِّدَاءِ الثَّانِي امْتَدَّتْ الْبِحَار ، وَتَدَفَّقَتْ الْمِيَاهُ فِي الْجَدَاوِلِ وَالْأَنْهَار ، وَبِنِدَائِي الثَّالِثِ نَهَضَتْ الْأَشْجَار ، وَسَبَحَ السَّمَكُ وَحَلَّقَت الْأَطْيَار ، وَانْطَلَقَتْ الْحَيَوَانَاتُ فِي الْغَابَاتِ وَالْقِفَار ، نِدَاءَيِنِ آخَرَيْنَ نَادَيْت ، رَابِعًا وَخَامِسًا ، ثُمَّ نَادَيْتُ نِدَاءً سَادِسًا ، فَانْطَلَقَتْ مَخْلُوقَاتُ الظَّلاَم ، وَنِدَاءً سَابِعًا نَادَيْت ، وَقفَتْ بِهِ الرُّوهَةُ وَأَبْنَاؤُهَا السَّبْعَة عَلَىٰ أَبْوَابِ الْبَيْتِ ،..، ثُمَّ أُرْسِلَ هِيِبل زِيُوا ، لِيُتِقِنَ مِنْ الْعَالَمِ مَا تَبَقَّىٰ .. وَلِيحْرُسَ آدَمَ وَحَّوَاءَ وَيَكُونَ لَهُمَا إنْسَا ، فَمِنْهُمَا سَيَجِيءُ الْمُخْتَارُونَ ، وَبَاهِرو الصِّدْقِ وَالْكَامِلُونَ ، يُصَلُّونَ وَيَتَعَبَّدُونَ ، وَبِإسْمِ الْحَيِّ يُسَبِّحُونَ ، ثُمَّ بَعدَ ذلِكَ إِلَىٰ بَلَدِ النُّور يَصْعَدُونَ ﴾.
( يتبع في الجزء الثاني )
🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺
0 comments :
إرسال تعليق