ثالوث القيم عند أفلاطون
الفضائل عند أرسطو
أولا: ثالوث القيم عند أفلاطون
أكمل أفلاطون البحث عن المبادئ الثابتة التي تعمل على توجيه المعرفة و السلوك ، ولكي يضمن ثباتها و فصلها تماماً عن عالم الحس والمادة ، وجعلها ماهيات أو مبادئ ثابتة قائمة بذاتها في عالم المُثل .
فالوجود الحقيقي
هو وجود المثل والأشياء المحسوسة هي نسخ عن المثل الموجودة في عالمها المستقل أو صور عنها ، والمثل ليست متساوية في الوجود ، بل متفاوتة في الترتيب ومتسلسلة تصاعدياً من الأدنى إلى الأعلى على شكل بناء هرمي،على رأسه يتربّع الخير الأقصى باعتباره مثال المُثل جميعاً يليه الحق وثم الجمال ، ودون هذه المثل تترتّب المثل الأخرى وتقابلها موجودات العالم المحسوس .
الخير الأقصى:
أفلاطون: إن الفضيلة هي الفعل الصواب النابع من إدراك عقلي للقيمة الحقيقية للخير , وغاية السلوك الخلقي هي الخير المطلق الذي هو السعادة ؛ولكن لا بمعناها النفعي بل باعتبارها ليست إلا اسماً آخر للخير الأقصى أو المطلق.
والخير الذي هو غاية الحياة الإنسانية هو مبدأ كل واقع وأساس الوجود والمعرفة على السواء وهو العلة المطلقة الذي يعلو فوق كل عقل و مهمة العلم هي تأمل هذا الموضوع المطلق والإتحاد به.
ويقوم الخير في الخلاص من الشهوات وقمع اللذات بالتطهير وتكون الفضيلة هي الفرار من عالم الحس إلى التأمل الفلسفي الخالص ومن هنا كان الخير الأقصى أو السعادة هي في التأمل الفلسفي.
الجمال عند أفلاطون، هو محاكاة للجمال الإلهي المقدس ولعالم المثل الأول، وحتى يستحضر هذا الجمال النوراني ويحاكيه كان لابد من تدرج الفيلسوف في مراتب الكمال الأخلاقي وذلك بالابتعاد عن الرذائل باعتبارها تكبل النفس وتقيدها عن ملامسة الجمال الحقيقي ورؤية الصفاء الملكي فوحدهم الفلاسفة القادرون على تمثل هذا الفيض الجمالي والتعبير عنه، وما دون ذلك يبقى عملهم ناقصا ومشوها مهما ادعى أصحابه تفردهم لأن الجمال الحقيقي لا يمكن وصفه أو محاكاته.
الحق
ملاحظة : قمت بتلخيص فكرة الحق لإيضاح القيم الثلاث .
كل حقيقة نراها في الوجود هي صورة محض عن الحق ، عندما ننظر في المرآة فإننا نرى صورتنا الإنسانية المحسوسة ، وكذلك عندما ننظر في القلب نرى أنفسنا المعنوية الخارجة عن إطار المادة.
في كلا الحالين نرى حقيقة لكن من وجهة نظر مختلفة وحسب كل وجه يظهر حقيقة هي عين وجود الحق الذي نُظر به اليه ولكن الرائي لا يستطيع أن يرى الحقيقة إلا بقدر ماملك من صورة الحق.
مثال بسيط:
البعض من الرجال ينظر للمرأة على أنها جسد فقط
والبعض ينظر لها على أنها جسد به نفس ، والبعض الآخر يرى نفسه بها وكما يُهديها تُهديه.
كل الصور صحيحة وليس بها علة من حيث النظر بل من حيث كيف ينظر الرائي ، والسبب يعود لضعف الشخص في تحديد الهوية الحقيقية التي يجب أن ينظر بها إلى المرأة.
ومثال بسيط آخر
الماء:
لو أتينا بثلاثة أكواب ووضعنا في كل كوب ماء
وضعنا احدها في ثلاجة فتجمد والثاني وضعنا به صبغة عصير والثالث ظرف من الشاي ، وأتينا بثلاثة أشخاص وسألنا كل واحد منهم عن كأس سيكون الجواب كالتالي:
الكأس الأول : جليد
الكأس الثاني : عصير
الكأس الثالث : شاي
ولا أحد منهم سيقول لك أنه بكأس ما ماء
كلهم سيجاوبون على المظهر المرائى لهم
فهذا مايسمى الحقيقة الظاهرة بالحق الظاهر.
نأتي للمثال الأعظم:
ان اتينا للجنس البشري ككل فهو صورة كاملة من طين لها اطراف وعيون وانف وووالخ
ولكن جوهر كل انسان يختلف عن الآخر
هناك الحاقد والحاسد والمحبوب والمكروه واعمى القلب ومتفتح البصيرة وووو الخ.
اذا صورة الحق تظهر في كل شيء لكنها ليست هو
من حيث وجهة نظر الرؤية بل من حيث وجهة نظر الرائي لذلك كل انسان يستطيع ان ينظر للحقيقة بقدر مايملك من الحق . إذ أنه لا يمكن النظر للأشياء من حيث هي إلا إن أردنا أن نراها كما نريد وحينها يكون الحق كما نريد نحن لا هو.
تعد النفس الإنسانية هي المحور الذي تدور حوله فلسفة السيد أفلاطون باعتبارها مقر المثل الأخلاقية وهي أزلية خالدة.
النفس وفضائلها:
أقسام النفس:
يرى الحكيم أفلاطون أن النفس البشرية تنقسم لثلاثة أقسام ولكل منها فضيلة خاصة بها وذلك على النحو التالي:
1-النفس العاقلة:
ومقرها الرأس ومهمتها التمييز بين أنواع الخير وبلوغ الخير المطلق وفضيلتها الحكمة.
2-النفس الغضبية:
ومقرها الصدر ومهمتها أن تطيع النفس العاقلة في تحقيق الخير ومقاومة النفس الشهوانية وفضيلة هذه النفس هي الشجاعة.
3-النفس الشهوانية:
ومقرها البطن تحت الحجاب الحاجز وفضيلتها العفة والحكمة هي أرفع هذه الفضائل منزلة والإنسان الحكيم هو الذي يلزم الاعتدال ويحرص على تحقيق الانسجام التام بين هذه الفضائل الثلاث بحيث لا تطغى واحدة على أخرى فإذا أذعنت الشهوانية للغضبية وخضعت الغضبية للعاقلة ؛ساد النظام والانسجام في النفس ويسمي السيد أفلاطون حالة التناسب والانسجام بين هذه القوى الثلاث بالعدالة وستكون السعادة الأخلاقية نتيجة منطقية لهذه العدالة وهذه السعادة هي الخير_الأقصى.
الفضائل عند أرسطو
يميز أرسطو بين نوعين من الفضيلة، والأولى هي الفضائل الفكرية والتي تتعلق بجزء الروح الذي ينخرط في التفكير أي فضائل العقل أو الفكر أو الذكاء، والفضائل الثانية هي الفضائل الأخلاقية والتي تتعلق بجزء الروح الذي لا يستطيع هو نفسه التفكير ولكنه مع ذلك قادر على اتباع العقل من مثل الفضائل الأخلاقية والفضائل الشخصية.
معنى الفضيلة
الفضيلة هي الخلق الطيب، والخلق هو «عادة الإرادة» فإذا اعتادت الإرادة شيئا طيبا سميت هذه الصفة فضيلة، والإنسان الفاضل هو ذو الخلق الطيب الذي اعتاد أن يختار أن يعمل وفق ما تأمر به الأخلاق، وبذلك يكون الفرق بين الفضيلة والواجب واضحا، فالفضيلة صفة نفسية، والواجب عمل خارجي، وعلى هذا يقال: فلان أدى الواجب ولا يقال: أدى الفضيلة بل حاز الفضيلة.
وقد تطلق الفضيلة على العمل نفسه فيقال: «فضائل الأعمال» وليس يعنى بها كل عمل أخلاقي بل الأعمال العظيمة التي يستحق فاعلها الثناء الجزيل، فلا نسمي دفع ثمن ما اشترى فضيلة، إنما يسمى الإتيان بالعمل الكبير مع تحمل المشاق في سبيله فضيلة، ويشهد لهذا المعنى اشتقاق الكلمة نفسها، فإنها مأخوذة من الفضل وهو الزيادة، وعلى هذا المعنى تكون «الفضيلة» أخص من «الواجب».
قيمة الفضائل :
تختلف قيمة الفضائل باختلاف حالة الأفراد وأعمالهم، ففضيلة الكرم بالنسبة للفقير ليست من الأهمية بالدرجة التي لها بالنسبة للغني، ولا الفضائل التي في الدرجة الأولى للمسن هي بعينها الفضائل التي في الدرجة الأولى للشاب، ولا فضائل المرأة مرتبة ترتيب فضائل الرجل، ولا فضائل التاجر هي نفسها فضائل العالم وهكذا. ومن الصعب على الأخلاقي التعمق في التفصيلات، وبيان الإختلافات الدقيقة بين الأشخاص التي يترتب عليها اختلاف في قيمة الفضائل.
وكل الذي نستطيع أن نقوله إن الناس جميعا — مهما اختلفوا — مطالبون بفضائل عامة من صدق وعدل ونحوهما يجب أن يتصفوا بها، وأنهم على اختلاف طبقاتهم ودرجاتهم يستوون في شيء واحد، وهو أن كلا منهم مطالب أن يضع في الدرجة الأولى من الأخلاق ما يناسب حالته ويتفق مع مركزه الإجتماعي وعمله الذى يؤديه، وإن اختلف تطبيق ذلك.
وقواعد الأخلاق حددها أرسطو في 11 صفة:
الشجاعة
هي الوسط بين الجبن والتهور، فالشخص الشجاع هو الذي يمضي في طريقه ولكنه يدرك جيداً حجم الخطر.
الاعتدال
النقطة الوسطى بين الإفراط وعدم الاكتراث، فالشخص الذي يخوض نفس التجربة مراراً وتكراراً يتساوى والذي لم يقدم عليها أبداً.
الكرم
أو فضيلة الصدقة، النقطة الوسطى بين البخل والإسراف.
البهاء
والتي يقصد بها العيش برفاهية، وتقع في منطقة وسطى بين البخل والسفه، فيقول أرسطو: لا يوجد سبب لأن يكون الفرد بخيلاً حد التقشف، كما يجب أن يكون حذراً من التبذير.
النبل
تتعلق هذه الفضيلة بالفخر، وهي منطقة وسطى بين عدم تقدير الذات وبين جنون العظمة.
الصبر
تعني هذه الفضيلة التحكم في أعصاب الفرد، فالشخص الصبور هو الذي لا يكون سريع الغضب، ولكنه في الوقت نفسه يغضب إذا كانت هناك حاجة لذلك.
الصدق
فضيلة الأمانة التي تقع في منطقة وسطى بين عادة الكذب الدائمة وبين كون الشخص لبقًا.
الكياسة
المنطقة الوسطى بين المزاح والفظاظة.
المودة
قد يرى البضع أن الصداقة ليست من ضمن الفضائل الأخلاقيّة، لكن أرسطو يرى أنَّها جزء من الحياة السعيدة التي نتطلع إليها، يقول إنَّ الفرد لا ينبغي له أن يكون فظًا غليظاً تجاه الآخرين ولا يكون منفتحاً على الجميع في الوقت ذاته.
الحياء
وهي الفضيلة التي تقع بين الخجل الشديد، وبين كون المرء وقحًا، الشخص الذي يتمتع بقدر من الحياء يلاحظ جيداً عند ارتكابه خطأ اجتماعياً أو اخلاقياً، لكنه لن يكون خائفاً إلى حد عدم الإقدام على فعل شيء ما.
الإنصاف
هي فضيلة التعامل بعدل مع الآخرين، وتقع في نقطة وسطى بين الأنانية والإيثار.
السعادة عند أرسطو:
"فهو يربط السعادة بتحقيق بالخير "
ترتبط السعادة بتحقيق الخير، والسعادة تتحدد باللذة، والفضيلة التي تقود إلى السعادة ليست عاطفة أو قوة بل هي عادة إرادية: إتباع الاختيار الذي يمليه التأمل والتمعن، فالقصدية المستقيمة هي ما يعطي للفعل الأخلاقي قيمته. ولعل الظرف الخاص الذي ميز الإطار التاريخي لهذا النوع من الفكر، يجعل من الضروري المزج بين السعادة الذاتية وسعادة المدينة الدولة، وإيجاد انسجام وتناغم بين البعدين.
السعادة الحقيقية سرعان ما تتحول إلى عشق ميتافيزيقي وإلى سعادة فكرية وروحية
كل فن أو بحث أو تفكر يهدف عامة إلى تحقيق خير ما، لذلك كان من الأصح تحديد "الخير" كغاية نقصد إليها كيفما كانت الظروف.غير أن هاته الغايات متفاوتة وتضع لتراتبية معينة، كما أن هناك غايات عامة تحدد غايات ثانوية، أي أن الأولى هي التي تحدد معنى وقيمة الثانية. و في نفس السياق يؤكد السيد 'أرسطو' على وجود غاية قصوى تمر عبر مجموعة من الغايات، ذلك أن الغاية القصوى هي ما تشكل الخير الأسمى.
إلى أن الخير الأسمى للإنسان هي السياسة، علما أن السعادة مسألة جماعية وليست فردية. فالتجربة الحياتية تلعب دورا في تهيئ المستمع للاستعانة ببعض المعارف، كعلم السياسة والأخلاق، إذ تبقى غاية هذه العلوم نفسها غاية عملية، أما "السفهاء"عديمو التجربة فلا فائدة من تقديم المعرفة السياسية والأخلاقية بين أيديهم. وحدهم الذين يخضعون سلوكاتهم لمعيار العقل وليس الدوافع والانفعالات أهل لهذه المعرفة.
كما أن لكل شيء غاية، فالغاية القصدية للسياسة هي السعادة، ويقترح "أرسطو" كمنهج تركيبي يوصل إلى الخير الأسمى الانطلاق مما هو معروف نظريا وممارسة، وما هو نسبي ومطلق، لذلك فمن السهل محاورة وإقناع من له تجربة سابقة أخلاقية أو سياسة .
يصنف "أرسطو" أنواع السعادة كالتالي:
السعادة المرتبطة باللذة الحسية (حياة الملذات): ونجدها عند السواد الأعظم من الناس الأكثر غلظة (غير أن أرسطو لا يندد بها).
السعادة المرتبطة بأنواع الشرف والتشريفات:ونجدها لدى الطائفة السياسية والتي تجعل من الحياة السياسية موضوع نشاطها .
أما الصنف الثالث فهو الذي يقيم السعادة على أساس التأمل.
يشير "أرسطو" إلى أن مسألة تحديد الخير تثير إشكالية الموضوعية ومراعاة المعرفة الحقة: فالحقيقة أمر مقدس، يجب أن تعلو على الآراء الشخصية خاصة بالنسبة للفيلسوف. ويقيم "أرسطو" مقارنة بين الإخلاص للصداقة والإخلاص للحقيقة، إذ يعتبر الإخلاص الأول أقل قيمة من الثاني.
وأن الخير مفهوم معقد وصعب التحديد، فهو كجوهر يمكن أن يعني "الخير الأسمى ",الإله والعقل .وكصفة يعني الفضائل، وكم يقصد به القياس العادل، وكعلاقة يشير إلى كل ما هو نافع. لذلك يمكن أن نحدد الخير من خلال عدة مقولات، لهذا تعددت أشكال الخير والمعارف والفنون الخاصة به. ويراهن أرسطو على تعريف الخير المستهدف في حد ذاته، وليس الخير من جهة المجموعات والأفراد أو الخير الوسائلي.
يميز "أرسطو" بين الخير من حيث هو غاية لذاته، وما هو غاية وسائلية تدخل في برنامج تحقيق غايات أسمى، وهذا ما ينطبق على السعادة أيضا، فالشرف والمتعة والفكر ليست في نهاية الأمر إلا سبيلا يقود إلى السعادة ,فالسعادة كخير مطلق، تشمل الجميع (الآباء والأبناء,الأصدقاء والمواطنين)، باعتبار الإنسان كائنا اجتماعيا. فالأحاسيس والانفعالات شيء مشترك بين الإنسان والحيوانات لهذا لابد من وأن تكون للإنسان خاصية تميزه تتجلى في السعادة كقيمة.وهكذا يختص الإنسان بنوع مستمر للحياة ,هو نشاط الروح المرافق لأفعال معقولة وهو ما يجعل هذه الأفعال تحضى بصفتي الخير والجمال .
إذا كانت السعادة ترتبط بالفضيلة بصفة عامة ,فإن الاستعداد الروحي للأخلاق لا يكفي، بل يجب إضافة الاستعداد المعرفي والعقلي، ممارسة وفعلا. وعلى سبيل المثال، لا يكفي للعداء أن يكون على قدر من الجمال والقوة، لا بد له وأن يشارك في مباريات العدو كي يستحق التنويه.
ويتساءل "أرسطو" إن كان بالإمكان تحصيل السعادة؟ يجيب "أرسطو" بالإيجاب,فهي عطاء إلهي، فضلا عن كونها استحقاقا نكتسبه عبر ممارسة الفضيلة وتعلمها. فالسعادة تدخل إذن في مجال الحقل النظري والعملي في نفس الوقت. كما أنها ترتبط في الأخير بعلم السياسة، أي أن تجعل من المواطنين أفرادا سعداء عن طريق ممارسة الصدق وحفظ الشرف. فالسعادة بهذا المعنى خاصية إنسانية تدخل الإنسان في بعد الألوهية.
يشير "أرسطو" إلى صعوبة الإقرار بسعادة شخص ما بعد موته، لأن ذريته وسلالته هي التي قد تشقى بعد موته.فالإنسان متقلب الأحوال كالحرباء ,لذلك فمن العبث أن نربط السعادة بالأحوال المتقلبة للإنسان ,بل علينا أن نربطها بما هو قار و تابت. ومنه فالسعادة مسألة حكمة وتريث ,ومسألة عقل أو الجانب المتعقل في الروح.
انطلاقا مما سبق نخلص مع "أرسطو" إلى أن السعادة ترتبط بالسلوك وبالفعل آنيا وزمانيا، أي إخراج الفضيلة والسعادة من منطقة الصدفة والقدسية فالفرد فاضل بسلوكه وليس بميراتها الرمزي. كما أن السعادة ترتبط بحاضر الإنسان، لكنه حاضر يستشرف الأفضل عبر توجيه السلوك حتى في وجه القدر ودوائر الحياة السلبية.
اسعدك الله ..وجزاك كل الخير
ردحذفشكرا لك أيتها الكريمة
حذف