آخر ماتم نشره

السبت، 11 ديسمبر 2021

الصابئة المندائية وكتاب الكنز العظيم جنزاربا ((الجزء الثالث ))

الصابئة المندائية - جنزاربا


(( #الجزء3))

ويتوجه الصَّابِئَة في أداءِ صَلواتهم ومُمارسة طِقوسهم وشَعائرهم الدّينيّة نحو قِبلَتهم التي تعرف بِبيتِ الْحَيّ التي تقع في اقاصي الشّمال العِلوي مِن الكونِ ، وتدعى بِلغةِ الصَّابِئِينَ : ( بَيْت هَيِّي ) أي: ( بَيْت الْحَيّ او بَيْت الْحَيَاة ) ، وبيت هنا تعني عالم او ملكوت ، أي: عالم الْحَيّ او عالم الحَياة الآخرة ، والمقصُود منها دارُ النَّعيم في الآخرةِ ، فردوس الحَياة النُّورانيّة ، عوالم الانوار ( آلمِي إِدْ انْهُورَا ) ، حيث جنات النَّعيم والخلد والملكوت السّماوي ، مَلكُوت الْحَيّ ( مَلكُوثَا إِدْ هَيِّي : مَلَكُوت الْحَيّ ) مواطن ملائكته والاثريّين ، والمَواطن التي أعدها الرّحمن لِعِبَادهِ المؤمنين الذين آمنوا به وعملوا الصّالحات مكافأة لهم ، حيث جاء في مُصْحَفِ الصَّابِئَة الْمُقَدَّس ان ملكوت الله يقع صوب الشّمال العلوي:

 ﴿ السَّاكِنُ فِي الشِّمَالِ الْعُلْوِيِّ ،..، الْمُقِيمُ فِي مَلَكُوتِهِ ، الْعَادِلُ فِي جَبَرُوتِهِ ﴾ 

 وجاء في كِتَابِ الصَّابِئِينَ الْمُبَارَك ان عالم الانوار ، دار الآخرة تقع في الاقاصي العُليا:

 ﴿ أكْوَانِ النُّور.. ،..، عَالَمٌ عَال ، بَعِيدُ الْمَنَال ، خَارِجٌ عَنْ حُدُودِ الدُّنْيا ، فِي الأَقَاصِي الْعُلْيَا ، مِنْ عَوَالِمِ الشِّمَال ﴾ 

 ويُذكر تأريخياً ان الصَّابِئِينَ كانوا يَستعينون بِحركةِ ظل الشّمس لِتحديدِ مواقيت الصَّلوات خِلال أوقات النّهار ، وايضاً كانوا يَستعينون بِظلالِ ضوء الشّمس لِتعيّين جهة الشّمال حيث قبلتهم التي يستقبلونها عند ممارسة لِفرائِضِهم الدّينيّة ، او من خلالِ تحديد جهة بزوغها وغروبها التي تشير إلى جهتي الشّرق والغرب ؛ وفي ظلماتِ اللّيل او في سفرِهم وترحالهم في البرِ والبحرِ كانوا يستعينون بِالفلكِ ويَهتدون بِالنّجمِ القطبي وعلامات الخَارطة النَّجميّة لِلسماءِ لِتعيّين الاتجاهات ؛ والإستعانة بِالنّجمِ القطبي ، نجم الشَّمال العَلوي ، نجم الجَدي بِالدّورةِ الفلكيّة الحَاليَة ، وكانت هذه الوسيلة هي الأكثر شيوعاً حينها لِتعيّين الجهات الاربعة ؛ ويقع هذا النّجم في المَجموعةِ النّجميّة ذات السّبعة نجوم نيرة التي تنتهي بِالفرقدين ، المَعروفة بِكوكبةِ الدّب الاصْغَر ( بنات نعش الصّغرى ) ، وهو اول نجوم هذه المَجموعة ، والنّجم القطبي هو نجم خلقه الله سبحانه ويستخدمونه كدلالة لِلشمالِ ، وهو الأبرز بين نجوم السّماء على مدى الدّهور ، وكانت النّاس تستخدمه وتستعين به لِتحديدِ الاتجاهات منذُ اقدم العصور لما يتميز به هذا النّجم من خصائصِ ، ككونه دائمي الظّهور في السّماءِ بِحيث يَسهل تعيينه بِالعينِ المُجردة ، و  مَكانه واتجاهه الشّمالي شبه ثابت في السّماءِ ؛ ويُرجحُ أن تقويم الصّابِئِيُّونَ كان يرتبط بِظهورِ الشّروق الأحتراقي لِنجم الشّعرى اليمانيّة ( زيريوس : سوثيس او سوبدت ) الذي يُعد احد نجوم مجموعة الكَلب الأكبر ، فكان اليوم الذي يظهر فيه هذا النّجم مرة كل ثلاثمائة وخمس وستين يوماً ( 365 ) يمثل رأس السّنة الصَّابِئِيَّة ، وبِظهورهِ كان يبدأ عيدهم الكبير ( دَهُوا رَبَّا ) ، وتبدأ ساعات الانزواء والاعتزال ما يعرف عند الصَّابِئِينَ في لغتِهم الْمَنْدَائِيَّة بِالـ: ( كَرَاص ) والاجتماع والنّقاء المعروف بِالـ: ( كَنشُو زَهَلِّي )


الكنز العظيم كنزاربا


                                     الإيمان 

ويؤمن الصَّابِئُونَ بِالحَياةِ الآخرة ، وبِاليومِ الآخر ، يوم الحساب والدّينونة وفي البَعثِ والمعادِ ؛ ويتزهد الصَّابِئُونَ عن  العَالم المَادي  وعَالم الْأَرْض بأن كل ما عليها فانٍ ؛ والصَّابِئُونَ يَعتقدون بان النّفس الرّوحيّة ( نِشِمَاثَا : النَّسَمَةَ ، النَّفْسُ الرُّوحِيَّة ) عندما تخرج من الجَسدِ في رحلةِ عروجها نحو الحَياة الأبديّة فإنها تجتاز اولاً الصِّراط المُمتد عبر بحر الآخرة ،  الذي يُعرف في النَّصوصِ الْمَنْدَائِيَّة بِبحرِ سوف السَّماوي 

( اِشر إِدْ سُوف رَبَّا : صِراط سَوف الْعَظِيم ) 

 وثم توزن اعمال تلك النّفس في ميزانِ الحِساب الذي يُدعى بِميزانِ البَعث

 ( ابْاثَر مُوزَنِيا : مِيزَان ابْاثُر : مِيزَان الْبَعْث ) 

 ومن هناك يحدد مَصيرها الجَنة او النّار ، فالنّفوس المُؤمنة ، الزّكيّة والطّاهرة ، ذات الحَسنات الكَثيرة والاعمال الصَّالحة التي تجتاز بحر الآخرة والميزان تذهب إلى المَطهِرات السّبعة ، والمَطهرات هي البرزخ الذي تحتجز فيه النّفوس وتمكث فيه حتى يتم تنقيتها وتطهيرها من جميعِ الخَطايا والاخطاء والسّيئات والذّنوب التي اقترفتها تلك النّفوس خلال حياتها في هذهِ الدّنيا ، ثم تُكملُ رحلتها نحو جنان الرّحمن ، عَوالم الانوار ( آلمِي إِدْ اِنْهُورَا : عَوالِم النُّور ) ، عوالم الخَير والنّعيم والسّعادة الابديّة ، امَّا النّفوس السّيئة والشّريرة ، ذات القلوب السّقيمة ، والبواطن المُظلمة ، المُثقلة بِالآثامِ والمَعاصي والذّنوب ، واعمال الشّر والشّرك البَاطلة والافعال الرّذيلة فيكون مَثواها جهنم ، عَوالم النّار والظّلام  ، والسَّبيل إلى الخَلاصِ بحسبِ الشَّريعة الصَّابِئِيَّة المُوحدة السَّمحة يكون من خلالِ الايمان بِاللهِ سُبحانه وعِبادتهِ واحدٌ احد , وعمل الصَّالحات المُتمثل في طاعتهِ وتقواهِ ، وتنفيذ أمره واجتِناب نهيه ومن خِلالِ البُعد عن مَعصيتهِ وعن كلِ ما من شأنهِ الإساءة لِلقيمِ الايمانيّة والضّوابط الأخلاقيّة ، ويتحقق خلاص النّفوس من خلالِ أداء الفرائض والطّقوس والشَّعائر والمَناسك الدِّينيّة التَّعبديّة له سُبحانه ، إلهاً واحداً مفرداً لا شريك له ولا رب سواه ولا مَعبوداً مِن دونهِ ، والقيام بما تيسر من النّوافلِ وأعمَالِ الخير لِمساعدةِ الفُقراء والمَعوزين والمُحتاجين من صدقةٍ وإحسان وغيرها ، والحُكم بكلِ ما أنزل الله الْحَيّ الْعَظيم سبحانه بِرسالتهِ الأولى التي انزلها على انبياءهِ الصَّابِئَة الذين بعثهم في الصَّابِئِينَ الحُنَفَاء ، فالمُؤمنون الذين ساروا على دربِ الهُدى وآمنوا بِاللهِ سُبحانه وشَهدوا له واصطبغوا بِصبغتهِ تعالى ، ووُسِموا بوَسمه الطّاهر وثبتوا على أيمانِهم به وتمسكوا بِصبغتِهم وعملوا صَالحاً فلا خوف عليهم يوم الحِساب ومَصيرهم في الآخرة الجَنة ، عَالم النُّور  ، حيث جاءَ في آياتِ صُحُف كِتَاب الصَّابِئِينَ الْمُقَدَّس ، مُصْحَف جِنْزَا رَبَّا الْمُبَارَك ( گِنْزَارَبَّا ).

﴿ مَنْ وُسِمَ بِوَسْمِ الْحَيِّ ، وَذُكِرَ اِسْمُ مَلِكِ النُّور عَلَيْه ، ثُمَّ ثَبَتَ وَتَمَسَّكَ بِصِبْغَتهِ وَعَمِلَ صَالِحًا ، فَلَنْ يُؤَخَّرَهُ مُؤَخَّرٌ يَوْمَ الْحِسَابِ ﴾ 

 وجاءَ ايضاً في آياتِ كِتَاب الصَّابِئَة الْمُقَدَّس ، مَنْ سمع النّداء وآمن بِاللهِ يَصعدُ إلى بلدِ النّور:

 ﴿ طُوبَىٰ لِمَنْ سَمِعَ وَآمَن .. إِنَّهُ يَصْعَدُ ظَافِرًا إِلَىٰ بَلَدِ النُّورِ ﴾ 

 وورد في آياتِ مُصْحَف جِنْزَارَبَّا الْمُبَارَك ، صُحُف الله السَّماويّة الأولى ، ان الايمان بِاللهِ وعبادتهِ وطاعتهِ واجتنابِ نهيه وعمل الخيرات والصّالحات هو السَّبيل لِإنقاذ النّفس وخلاصها:

 ﴿ أيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ ، أيُّهَا الْكَامِلُونَ ، أحِبُّوا لِأَصْحَابِكُمْ مَا تِحُبُّونَ لِأنفُسِكُمْ ، وَاكْرَهُوا لَهُمْ مَا تَكْرَهُونَ لَهَا ، وَتَزَوَّدُوا لِآخِرَتِكُمْ بِالْعَمَلِ الصَّالِح .. فَانْظُرُوا ، وَاسْمَعُوا ، وَآمِنُوا ، وَتَقبَّلوا كَلِماتِ رَبَّكمْ ، انْظُرُوا بِأعيُنِكُمْ ، وَانطِقُوا بِأفْوَاهِكُمْ ، وَاسْمَعُوا بِآذَانِكُمْ ، وآمِنُوا بِقِلوبِكُمْ ، وَاعَمَلُوا بِأيْدِيكُمْ صَدَقَةً وإِحْسَانَ  ، اِعْمَلُوا بِمَشِيئَةِ رَبَّكُمْ ، وَلَا تَعْمَلُوا بِمَشِيئَةِ الشَّيْطَان ، لَا يَأْسِرنَّكُمْ جَمَالُ الْأجْسَامِ ، فَجَمَالهُا زَائِل ، وَلَا تَسْجُدُوا للشَّيْطَانِ ، وَلَا لِأَصْنَامِ هَـٰذَا الْعَالمِ الزَّائِف ؛ كُلُّ مَنْ يُولدُ يَمُوت ، وَكُلُّ مَا يُصْنَعُ بِالْأَيْدِي يَفسُدُ ، وَالْعَالمُ كُلّه يَفْنَىٰ ، فَأَيْنَ سِرُّ الْألْوهيَّةِ الَّتِي فِيهِ إِنْ كُنْتُمْ تَنْتَظِرُونَ ، إِنْ عُكـَّازتَكُمْ يـَوْمَ الْحِسَابِ أعْمَالـُكُمْ الَّتِي عَلَيْهَا تتوكـَّأون ، فَانْظُرُوا إِلَىٰ مَاذَا تَسْتَنِدون ﴾ 


 وجاء في آياتِ صَحائِف كِتَاب الْكَنْز الْعَظِيم الْمُبَارَك بان منقذ النّفس الرّوحيّة ( نِشِمَاثَا ) هو الايمان الصَّادق بِاللهِ وحده لا شريك له والإخلاص في عبادتهِ والتّسبيحِ له والعَملِ الصّالح:

 ﴿ لَا تَكْنِزُوا الذَّهَب وَالْفِضَّة ، فَالدُّنْيَا بَاطِلَةْ ، وَمُقْتَنَيَاتِهُا زَائِلَةْ .. ولَا تَحسَبُوا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةُ مُنقِذَينَ النَّفْس الرُّوحِيَّة  .. "نِشِمَاثَا"إنَّمَا يُنقِذُها الصِّدْقُ وَالْأيْمَانُ وَالتَّسبيحُ وَالْإِحْسَانُ ، بِهَـٰذَا تُنقِذون النَّفْس الرُّوحِيَّة "نِشِمَاثَا" فَتُخرِجُونَهَا مِنْ الظَّلاَمِ إِلَىٰ النُّورِ ، وَمِنْ الضَّلاَلِ إِلَىٰ الْهُدَىٰ ، وَمِنْ الْكُفْرِ إِلَىٰ الْإِيْمَانِ .. فتَنعمُ بِالصَّلاَةِ ﴾ 

يتبع.. في الجزء ((4))

الصابئة المندائية جنزاربا


اعلان 1
اعلان 2

0 comments :

إرسال تعليق

عربي باي